ﻛﺎﻧﺖ 617 ﻫـ ﻣﻦ ﺃﺑﺸﻊ اﻟﺴﻨﻮاﺕ اﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻨﺬ ﺑﻌﺜﺔ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﻠﺤﻈﺔ، ﻓﻘﺪ ﻋﻼ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺠﻢ اﻟﺘﺘﺎﺭ، ﺣﺘﻰ اﺟﺘﺎﺣﻮا اﻟﺒﻼﺩ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﺟﺘﻴﺎﺣﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ له مثيل، ﻭﺃﺣﺪﺛﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺎﺯﺭ ﻭاﻟﻔﻈﺎﺋﻊ ﻭاﻟﻤﻨﻜﺮاﺕ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﺑﻪ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻭﻻ ﻳﺘﺨﻴﻞ ﺃﺻﻼ.
ابن الأثير (من عظماء المؤرخين وقد عاش هذه الفترة) ﻳﻘﺪﻡ ﻟﺸﺮﺣﻪ ﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻘﻮﻟﻪ: ﻟﻘﺪ ﺑﻘﻴﺖ ﻋﺪﺓ ﺳﻨﻴﻦ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﺎﺩﺛﺔ اﺳﺘﻌﻈﺎﻣﺎ ﻟﻬﺎ، ﻛﺎﺭﻫﺎ ﻟﺬﻛﺮﻫﺎ، ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻗﺪﻡ ﺇليها ﺭﺟﻼ ﻭﺃﺅﺧﺮ ﺃﺧﺮﻯ.
ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ : ﻓﻤﻦ ﺫا اﻟﺬﻱ ﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﻧﻌﻲ اﻹﺳﻼﻡ ﻭاﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ؟ ﻭاﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺎﺻﺮا ﻟﻬﺬﻩ اﻷﺣﺪاﺙ ﻇﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻋﻼﻣﺎﺕ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻭﺃﻥ اﻷﺭﺽ ﺳﺘﻨﺘﻬﻲ اﻵﻥ ﻭﺳﻴﺒﺪﺃ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﺃﻣﺔ اﻹﺳﻼﻡ ﺳﺘﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ اﻷﺣﺪاﺙ..
ﻓﻴﺎ ﻟﻴﺖ ﺃﻣﻲ ﻟﻢ ﺗﻠﺪﻧﻲ، ﻭﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ ﻣﺖ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا ﻭﻛﻨﺖ ﻧﺴﻴﺎ ﻣﻨﺴﻴﺎ.
ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ : ﻓﻤﻦ ﺫا اﻟﺬﻱ ﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﻧﻌﻲ اﻹﺳﻼﻡ ﻭاﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ؟ ﻭاﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺎﺻﺮا ﻟﻬﺬﻩ اﻷﺣﺪاﺙ ﻇﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻋﻼﻣﺎﺕ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻭﺃﻥ اﻷﺭﺽ ﺳﺘﻨﺘﻬﻲ اﻵﻥ ﻭﺳﻴﺒﺪﺃ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﺃﻣﺔ اﻹﺳﻼﻡ ﺳﺘﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ اﻷﺣﺪاﺙ..
ﻓﻴﺎ ﻟﻴﺖ ﺃﻣﻲ ﻟﻢ ﺗﻠﺪﻧﻲ، ﻭﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ ﻣﺖ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا ﻭﻛﻨﺖ ﻧﺴﻴﺎ ﻣﻨﺴﻴﺎ.
.. ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺩﻣﺮ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺨﺎﺭﻯ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﺃﻫﻠﻜﻮا ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻭﺃﺣﺮﻗﻮا ﺩﻳﺎﺭﻫﺎ ﻭﻣﺴﺎﺟﺪﻫﺎ ﻭﻣﺪاﺭﺳﻬﺎ، اﻧﺘﻘﻠﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺃﻭﺯﺑﺎﻛﺴﺘﺎﻥ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ، ﻣﺜﻞ ﺑﺨﺎﺭﻯ ﻭاﺻﻄﺤﺒﻮا ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺭﻯ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺨﺎﺭﻯ،
ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ اﺑﻦ اﻷﺛﻴﺮ: ﻓﺴﺎﺭﻭا ﺑﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻗﺒﺢ ﺻﻮﺭﺓ، ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﺃﻋﻴﺎ ﻭﻋﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﻤﺸﻲ ﻗﺘﻞ.
ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ اﺑﻦ اﻷﺛﻴﺮ: ﻓﺴﺎﺭﻭا ﺑﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻗﺒﺢ ﺻﻮﺭﺓ، ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﺃﻋﻴﺎ ﻭﻋﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﻤﺸﻲ ﻗﺘﻞ.
.ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻄﻮﻥ ﻛﻞ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ اﻷﺳﺮﻯ ﻋﻠﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﻋﻼﻡ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻳﺮﻓﻌﻮﻧﻪ، ﻓﺈﺫا ﺭﺁﻫﻢ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻇﻦ ﺃﻥ اﻟﻤﺠﻤﻮﻉ ﻛﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺘﺎﺭ، ﻓﺘﻜﺜﺮ ﺃﻋﺪاﻫﻢ ﺟﺪا ﻓﻲ ﺃﻋﻴﻦ ﺃﻋﺪاﺋﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﺭﻫﻴﺐ ﻓﻼ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻘﺪﺭﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﻓﻴﺴﺘﺴﻠﻤﻮﻥ، ﻓﺘﺒﺪﺃ اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺗﺪﺏ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﻣﻦ ﻳﻮاﺟﻬﻮﻧﻪ.
وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺠﺒﺮﻭﻥ اﻷﺳﺎﺭﻯ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا ﻣﻌﻬﻢ ﺿﺪ ﺃﻋﺪاﺋﻬﻢ، ﻭﻣﻦ ﺭﻓﺾ اﻟﻘﺘﺎﻝ ﺃﻭ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﻗﻮﺓ ﻗﺘﻠﻮﻩ، ﻓﻜﺎﻥ اﻷﺳﺮﻯ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻥ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻊ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻛﺮﻫﺎ.
وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺘﺮﺳﻮﻥ ﺑﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﻟﻘﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻓﻴﻀﻌﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ اﻟﺼﻔﻮﻑ ﻛﺎﻟﺪﺭﻭﻉ، ﻭﻳﺨﺘﺒﺌﻮﻥ ﺧﻠﻔﻬﻢ، ﻓﺈﺫا ﺃﻃﻠﻖ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ اﻟﺴﻬﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺟﻴﺶ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﺃﺻﺎﺑﺖ اﻷﺳﺮﻯ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭاﻟﺘﺘﺎﺭ ﻳﻄﻠﻘﻮﻥ ﺳﻬﺎﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﺻﻔﻮﻑ اﻷﺳﺮﻯ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﺘﻠﻮﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮاﺏ اﻟﻤﺪﻥ ﻟﺒﺚ اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺃﻋﺪاﺋﻬﻢ، ﻭﺇﻋﻼﻣﻬﻢ ﺃﻥ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻤﺼﻴﺮ اﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﻢ ﺇﺫا ﻗﺎﻭﻣﻮا اﻟﺘﺘﺎﺭ.
و ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺒﺎﺩﻟﻮﻥ ﺑﻬﻢ اﻷﺳﺮﻯ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺃﺳﺮ ﺭﺟﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻓﻲ اﻟﻘﺘﺎﻝ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﺬا ﻗﻠﻴﻼ؛ ﻟﻘﻠﺔ اﻟﻬﺰاﺋﻢ ﻓﻲ ﺟﻴﺶ اﻟﺘﺘﺎﺭ.
و للحديث بقية.. إن شاء الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق