التاريخ يتكلم عن واقعنا المعاصر..

الأحد، 23 يوليو 2017

35_ تدمير مكتبة بغداد.. ونهاية العلقمي..

اﺗﺠﻪ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﺃﺷﻘﻴﺎء اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻟﻌﻤﻞ ﺇﺟﺮاﻣﻲ ﺑﺸﻊ، ﻭﻫﻮ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺑﻐﺪاﺩ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ.. ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ اﻷﺭﺽ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ..  اﻟﺪاﺭ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻮﻱ ﻋﺼﺎﺭﺓ ﻓﻜﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ..
... ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺑﻐﺪاﺩ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺑﻜﻞ اﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ.. ﻭﻟﻢ ﻳﻘﺘﺮﺏ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻈﻤﺔ ﺇﻻ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ.. والتي ﻣﺮﺕ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﺑﻬﺎ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺑﻐﺪاﺩ!!!..
... ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻓﻲ ﻳﺪ ﻧﺼﺎﺭﻯ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺳﻨﺔ 636 ﻫﺠﺮﻳﺔ (ﻗﺒﻞ ﺳﻘﻮﻁ ﺑﻐﺪاﺩ ﺑﻌﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻓﻘﻂ!!) ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺤﺮﻕ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ.. ﻭﻗﺎﻡ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﺣﺪ ﻗﺴﺎﻭﺳﺔ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺑﻨﻔﺴﻪ.. ﻭﻛﺎﻥ اﺳﻤﻪ "ﻛﻤﺒﻴﺲ"، ﻭﺣﺮﻕ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻭﻗﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺪﻩ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺑﺬﻟﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺁﻻﻑ اﻷﻋﻤﺎﺭ ﻭﺁﻻﻑ اﻷﻭﻗﺎﺕ، ﻭﺃﻧﻔﻖ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﻝ ﻭاﻟﻌﺮﻕ ﻭاﻟﺠﻬﺪ..
... ﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺳﻨﺘﻬﻢ!..
لقد كانت ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺑﻐﺪاﺩ ﺃﻋﻈﻢ ﺩﻭﺭ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ - ﺑﻼ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ - ﻗﺮاﺑﺔ ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮﻭﻥ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ..
... ﺃﺳﺴﻬﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻫﺎﺭﻭﻥ اﻟﺮﺷﻴﺪ - ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ - ﻭاﻟﺬﻱ ﺣﻜﻢ اﻟﺪﻭﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ 170 ﻫﺠﺮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﻨﺔ 193 ﻫﺠﺮﻳﺔ، ﺛﻢ اﺯﺩﻫﺮﺕ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺟﺪا ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ 198 ﻫﺠﺮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﻨﺔ 218 ﻫﺠﺮﻳﺔ.. ﻭﻣﺎ ﺯاﻝ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﻮﻥ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﻳﻀﻴﻔﻮﻥ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻜﺘﺐ ﻭاﻟﻨﻔﺎﺋﺲ ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺭﺕ ﺩاﺭا ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﺘﺨﻴﻞ ﻛﻢ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺪاﺧﻠﻬﺎ!!..
... ﻧﺤﻦ ﻧﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺩاﺭ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺣﻮﺕ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﻤﺠﻠﺪاﺕ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺴﺤﻴﻖ!!..
ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻭاﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻃﺒﺎﻋﺔ!!..
ﻭﻻ ﻧﺪﺭﻱ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻛﻢ ﻋﺪﺩ اﻟﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ.. ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺪﺭ ﺣﻘﺎ ﺑﺎﻟﻤﻼﻳﻴﻦ.. ﻭﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻃﺮاﺑﻠﺲ ﺑﻠﺒﻨﺎﻥ - ﻭاﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﺎﺭﻥ ﺃﺑﺪا ﺑﻤﻜﺘﺒﺔ ﺑﻐﺪاﺩ- ﻗﺪ ﺃﺣﺮﻕ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮﻥ اﻷﻭﺭﻭﺑﻴﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ "ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ" ﻣﺠﻠﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ!!.. ﻓﺘﺨﻴﻞ ﻛﻢ ﻛﺎﻥ ﻋﺪﺩ اﻟﻤﺠﻠﺪاﺕ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺑﻐﺪاﺩ!!
ﻟﻘﺪ ﺣﻤﻞ اﻟﺘﺘﺎﺭ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ.. ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ... ﻭﻓﻲ ﺑﺴﺎﻃﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ- ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺣﻤﺎﻗﺔ ﻭﻏﺒﺎء- ﺃﻟﻘﻮا ﺑﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺮ ﺩﺟﻠﺔ!!!!..
... ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ اﻟﻈﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻫﺬﻩ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺇﻟﻰ "ﻗﺮاﻗﻮﺭﻡ" ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﻤﻐﻮﻝ ﻟﻴﺴﺘﻔﻴﺪﻭا- ﻭﻫﻢ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ اﻟﺤﻀﺎﺭﻳﺔ - ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻨﻔﻴﺲ.. ﻟﻜﻦ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﺃﻣﺔ ﻫﻤﺠﻴﺔ.. ﻻ ﺗﻘﺮﺃ ﻭﻻ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺘﻌﻠﻢ.. ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻟﻠﺸﻬﻮاﺕ ﻭاﻟﻤﻠﺬاﺕ ﻓﻘﻂ..
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻫﺪﻓﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻮ ﺗﺨﺮﻳﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ!!..
... ﺃﻟﻘﻰ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﺑﻤﺠﻬﻮﺩ اﻟﻘﺮﻭﻥ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﻬﺮ ﺩﺟﻠﺔ.. ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻮﻝ ﻟﻮﻥ ﻣﻴﺎﻩ ﻧﻬﺮ ﺩﺟﻠﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻮﻥ اﻷﺳﻮﺩ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﻣﺪاﺩ اﻟﻜﺘﺐ.. ﻭﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ ﺃﻥ اﻟﻔﺎﺭﺱ اﻟﺘﺘﺮﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺒﺮ ﻓﻮﻕ اﻟﻤﺠﻠﺪاﺕ اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻣﻦ ﺿﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﺿﻔﺔ ﺃﺧﺮﻯ!!..
... ﻫﺬﻩ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻘﻂ.. ﺑﻞ ﻓﻲ ﺣﻖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ!!..
... ﻭﻫﻲ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻣﺘﻜﺮﺭﺓ ﻓﻲ اﻟﺘﺎﺭﻳﺦ..
... ﻟﻘﺪ ﻓﻌﻠﻬﺎ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮﻥ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ في ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ..و ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﻘﻮﻃﻬﺎ، ﻓﺄﺣﺮﻗﻮا ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻛﺘﺎﺏ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ اﻟﻤﻴﺎﺩﻳﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ!!..
... ﻭﻓﻌﻠﻬﺎ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮﻥ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﺮﺓ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻭﺭاﺑﻌﺔ ﻭﺧﺎﻣﺴﺔ ﻭﻋﺎﺷﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺎﺕ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻭﺃﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻭﺑﻠﻨﺴﻴﺔ ﻭﺳﺮﻗﺴﻄﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ..
... ﻭﻓﻌﻠﻬﺎ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮﻥ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻓﻲ اﻟﺸﺎﻡ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻃﺮاﺑﻠﺲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻓﺄﺣﺮﻗﻮا ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﻛﺘﺎﺏ..
... ﻭﻓﻌﻠﻬﺎ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮﻥ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺎﺕ ﻏﺰﺓ ﻭاﻟﻘﺪﺱ ﻭﻋﺴﻘﻼﻥ..
...ﺛﻢ ﻓﻌﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮﻭﻥ اﻷﻭﺭﻭﺑﻴﻮﻥ اﻟﺠﺪﺩ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺰﻟﻮا ﺇﻟﻰ ﺑﻼﺩ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻥ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺆﻻء ﻛﺎﻧﻮا ﺃﻛﺜﺮ ﺫﻛﺎء؛ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺳﺮﻗﻮا اﻟﻜﺘﺐ ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺮﻗﻮﻫﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺧﺬﻭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ، ﻭﻣﺎ ﺯاﻟﺖ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎﺕ اﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺗﺤﻮﻱ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﻛﺘﺐ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ.. ﺃﻟﻔﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺪاﺭ ﻋﺪﺓ ﻗﺮﻭﻥ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ.. ﻭﻻ ﻳﺸﻚ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺃﻋﺪاﺩ اﻟﻜﺘﺐ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺎﺕ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺗﻔﻮﻕ ﻛﺜﻴﺮا ﺃﻋﺪاﺩ ﻫﺬﻩ اﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﻬﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ!!..
بعد ﺃﻥ ﻓﺮﻍ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻣﻦ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺑﻐﺪاﺩ اﻧﺘﻘﻠﻮا ﺇﻟﻰ اﻟﺪﻳﺎﺭ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺇﻟﻰ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ اﻷﻧﻴﻘﺔ ﻓﺘﻨﺎﻭﻟﻮا ﺟﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺪﻣﻴﺮ ﻭاﻟﺤﺮﻕ.. ﻭﺳﺮﻗﻮا اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎﺕ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ﻓﻴﻬﺎ..
... ﻭاﺳﺘﻤﺮ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﻷﻟﻴﻢ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ.. ﻭاﻣﺘﻸﺕ ﺷﻮاﺭﻉ ﺑﻐﺪاﺩ ﺑﺘﻼﻝ اﻟﺠﺜﺚ اﻟﻤﺘﻌﻔﻨﺔ، ﻭاﻛﺘﺴﺖ اﻟﺸﻮاﺭﻉ ﺑﺎﻟﻠﻮﻥ اﻷﺣﻤﺮ، ﻭﻋﻢ اﻟﺴﻜﻮﻥ اﻟﺒﻠﺪﺓ، ﻓﻼ ﻳﺴﻤﻊ ﺃﺣﺪ ﺇﻻ ﺃﺻﻮاﺕ ﺿﺤﻜﺎﺕ اﻟﺘﺘﺎﺭ اﻟﻤﺎﺟﻨﺔ.. ﺃﻭ ﺃﺻﻮاﺕ ﺑﻜﺎء اﻟﻨﺴﺎء ﻭاﻷﻃﻔﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻓﻘﺪﻭا ﻛﻞ ﺷﻲء..
... ﻭﻫﻨﺎ ـ ﻭﺑﻌﺪ اﻷﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎ ـ ﺧﺎﻑ ﻫﻮﻻﻛﻮ ﻋﻠﻰ ﺟﻴﺸﻪ ﻣﻦ اﻧﺘﺸﺎﺭ اﻷﻭﺑﺌﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺠﺜﺚ اﻟﻤﺘﻌﻔﻨﺔ (ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺟﺜﺔ ﻟﻢ ﺗﺪﻓﻦ ﺑﻌﺪ)، ﻓﺄﺻﺪﺭ ﻫﻮﻻﻛﻮ ﺑﻌﺾ اﻷﻭاﻣﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪﺓ:
... 1ـ ﻳﺨﺮﺝ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺘﺘﺮﻱ ﺑﻜﺎﻣﻠﻪ ﻣﻦ ﺑﻐﺪاﺩ، ﻭﻳﻨﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺑﻠﺪ ﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻝ اﻟﻌﺮاﻕ، ﻟﻜﻲ ﻻ ﻳﺼﺎﺏ اﻟﺠﻴﺶ ﺑﺎﻷﻣﺮاﺽ ﻭاﻷﻭﺑﺌﺔ، ﻭﺗﺘﺮﻙ ﺣﺎﻣﻴﺔ ﺗﺘﺮﻳﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺣﻮﻝ ﺑﻐﺪاﺩ، ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺨﺸﻰ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ..
... 2ـ ﻳﻌﻠﻦ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاﺩ ﺃﻣﺎﻥ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻓﻼ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻋﺸﻮاﺋﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ اﻷﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎ.. ﻭﻗﺪ ﺳﻤﺢ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮﺝ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﺨﺎﺑﺌﻬﻢ ﻟﻴﻘﻮﻣﻮا ﺑﺪﻓﻦ ﻣﻮﺗﺎﻫﻢ.. ﻭﻫﺬا ﻋﻤﻞ ﺷﺎﻕ ﺟﺪا ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻓﺘﺮاﺕ ﻃﻮﻳﻠﺔ (ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻗﺘﻴﻞ)، ﻭﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻘﺪ ﻳﺘﻐﻴﺮ اﻟﺠﻮ- ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاﺩ ﻓﻘﻂ - ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﻼﺩ اﻟﻌﺮاﻕ ﻭاﻟﺸﺎﻡ، ﻭﺳﺘﻨﺘﺸﺮ اﻷﻣﺮاﺽ اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﻟﻦ ﺗﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻣﺴﻠﻢ ﻭﺗﺘﺮﻱ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺃﺭاﺩ ﻫﻮﻻﻛﻮ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﺠﺜﺚ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ..
... ﻭﻓﻌﻼ ﺧﺮﺝ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺨﺘﻔﻮﻥ ﻓﻲ اﻟﺨﻨﺎﺩﻕ ﺃﻭ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ ﺃﻭ ﻓﻲ اﻵﺑﺎﺭ اﻟﻤﻬﺠﻮﺭﺓ.. ﺧﺮﺟﻮا ﻭﻗﺪ ﺗﻐﻴﺮﺕ ﻫﻴﺌﺘﻬﻢ، ﻭﻧﺤﻠﺖ ﺃﺟﺴﺎﺩﻫﻢ، ﻭﺗﺒﺪﻟﺖ ﺃﻟﻮاﻧﻬﻢ، ﺣﺘﻰ ﺃﻧﻜﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ!!..
... ﻟﻘﺪ ﺧﺮﺝ ﻛﻞ ﻭاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻴﻔﺘﺶ ﻓﻲ اﻟﺠﺜﺚ، ﻭﻟﻴﺴﺘﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻼﻝ اﻟﻤﺘﻌﻔﻨﺔ اﺑﻨﺎ ﻟﻪ ﺃﻭ ﺃﺧﺎ ﺃﻭ ﺃﺑﺎ ﺃﻭ ﺃﻣﺎ!!..
ﻭﺑﺪﺃ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﺩﻓﻦ ﻣﻮﺗﺎﻫﻢ..
واﻧﺘﺸﺮﺕ اﻷﻭﺑﺌﺔ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاﺩ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺮﻳﻊ، ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺕ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﺪﺩ ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاﺽ اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ!.. ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ اﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ: "ﻭﻣﻦ ﻧﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﻦ، ﻟﻢ ﻳﻨﺞ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻋﻮﻥ!!"..
... 3ـ  ﺃﺻﺪﺭ ﻫﻮﻻﻛﻮ ﻗﺮاﺭا ﺑﺄﻥ ﻳﻌﻴﻦ ﻣﺆﻳﺪ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻌﻠﻘﻤﻲ اﻟﺸﻴﻌﻲ ﺭﺋﻴﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻤﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاﺩ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻮﺿﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻭﺻﺎﻳﺔ ﺗﺘﺮﻳﺔ.
ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺆﻳﺪ اﻟﺪﻳﻦ ﺇﻻ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ ﻓﻘﻂ، ﻭﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻴﺎﺩﺓ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﺘﺎﺭ ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ، ﺑﻞ أهانوه وأذلوه  ﻣﻦ ﺻﻐﺎﺭ اﻟﺠﻨﺪ ﻓﻲ ﺟﻴﺶ اﻟﺘﺘﺎﺭ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺘﺤﻄﻴﻢ ﻧﻔﺴﻴﺘﻪ، ﻭﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻘﻮﺗﻪ، ﻭﻳﻈﻞ ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻟﻠﺘﺘﺮ!..
ﻭﻫﻜﺬا ﻣﻦ ﺑﺎﻉ ﺩﻳﻨﻪ ﻭﻭﻃﻨﻪ ﻭﻧﻔﺴﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﻼ ﺛﻤﻦ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪ اﻷﻋﺪاء، ﻓﺎﻟﻌﻤﻴﻞ ﻋﻨﺪ اﻷﻋﺪاء ﻻ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺃﻱ ﻗﻴﻤﺔ ﺇﻻ ﻭﻗﺖ اﻻﺣﺘﻴﺎﺝ، ﻓﺈﻥ ﺗﻢ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺯاﻟﺖ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ..
وانطلق ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ﻣﻬﻤﻮﻣﺎ ﻣﻔﻀﻮﺣﺎ، يركبه الخزي والهوان واﻟﻬﻢ ﻭاﻟﻐﻢ ﻭاﻟﻀﻴﻖ..  ﺣﺎﻛﻢ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻮاﺕ ﻭاﻟﻤﺮﺿﻰ!!..
... ﻭﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﻮﺯﻳﺮ اﻟﺨﺎﺋﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻤﻞ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺠﺪﻳﺪ.. ﻓﺒﻌﺪ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻦ اﻟﻀﻴﻖ ﻭاﻟﻜﻤﺪ.. ﻣﺎﺕ اﺑﻦ اﻟﻌﻠﻘﻤﻲ مغموما ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ!!..
... ﻣﺎﺕ ﺑﻌﺪ ﺷﻬﻮﺭ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪا ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺩﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﺑﻐﺪاﺩ.. ﺳﻨﺔ 656 ﻫﺠﺮﻳﺔ.. ﻭﻟﻢ ﻳﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻜﻢ ﻭﻻ ﻣﻠﻚ ﻭﻻ ﺧﻴﺎﻧﺔ!.. ﻭﻟﻴﻜﻮﻥ ﻋﺒﺮﺓ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻟﻜﻞ ﺧﺎﺋﻦ..
ﻭﻭﻟﻰ اﻟﺘﺘﺎﺭ اﺑﻦ ﻣﺆﻳﺪ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻌﻠﻘﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاﺩ، وﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻐﺪاﺩ ﺳﻨﺔ 656 ﻫﺠﺮﻳﺔ!!..
... ﻭﻻ ﻋﺠﺐ!!
... ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺎ ﺗﻤﺴﻚ ﺃﺣﺪ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺇﻻ ﻭﺃﻫﻠﻜﺘﻪ..
#د_أسامة_محمد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Adbox